السبت، 26 أبريل 2014

بحث كامل حول الهجرة الجزائرية نحو المشرق (سنة اولى علوم انسانية)

الهجرة الجزائرية إلى بلاد المشرق العربي



الــمــقـدمــــــة
لقد عرفت الجزائر خلال فترة مابين (1870-1914) موجة عارمة من هجرة سكانها نحو بلاد المشرق العربي لذا تعتبر هاته الهجرة من إحدى القضايا التي لفتت انتباه الباحثين واستأثرت باهتمام علماء الاجتماع والتربية وعلم النفس في الدول الأوروبية الغربية منها والشمالية من خلال إصدار العديد من الكتب والمئات من الدراسات لدراستها في حين أهمل العرب هذا الجانب ، ومما لا شك فيه أيضا أن قرار الهجرة في أساسه الأول قرار شعبي يقف على الأحوال والظروف والمعانات التي عاشها هذا الشعب أثناء فترة الاحتلال وسياسة التعسف التي سلكتها الإدارة الفرنسية ، ولقد اخترنا دور المهاجرين الجزائريين نحو بلاد المشرق العربي موضوعا لبحثنا هذا وما تبين لنا من ندرة الاهتمام بالدور الايجابي الذي لعبوه بالمشرق العربي إبان فترة الاحتلال كما تمكنا من طرح إشكالية لهذا البحث وكانت على النحو التالي :
ما هي الأسباب والدوافع الحقيقية التي في ظلها كانت الهجرة الجزائرية نحو المشرق وما أثرها على الفرد والمجتمع ؟
وللإجابة عنها حاولنا إعطاء لمحة عامة عن الهجرة الجزائرية نحو المشرق وأسبابها فقسمنا بحثنا إلى مقدمة وخاتمة تتوسطهما ثلاثة مباحث نستعرضها كما يلي :
حيث تطرقنا في المبحث الأول إلى تحديد مفهوم الهجرة ومعرفة أسبابها وأما في المبحث الثاني تحدثنا فيه عن اتجاهات الهجرة الجزائرية نحو المشرق وتناولنا في المبحث الثالث تأثير ودور المهاجرين الجزائريين في بلاد المشرق العربي
ولإثراء هذا البحث والإلمام بالمعارف التي تخدمه وتدرس جوانبه أبينا إلا أن نعتمد على بعض المصادر والمراجع منها :
- الهجرة الجزائرية نحو المشرق العربي للدكتورة نادية طرشون .
- تاريخ الجزائر الثقافي الجزء 5 للدكتور أبو القاسم سعد الله .
- أبحاث ودراسات في تاريخ الجزائر المعاصر للدكتور عمار هلال .
كما واجهتنا عدة صعوبات في معالجة هذا الموضوع يرجع بعضها إلى صعوبة وتشعب أفكاره مما صعب علينا التنسيق بينها والبعض الآخر يرجع إلى غياب مصادر متخصصة تعالجه لكن لم تثني من عزيمتنا وإصرارنا على إنجازه بالصورة التي هو عليها الآن ، وفي الأخير نشكر كل من ساعدنا من قريب أو من بعيد كما نتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ الفاضل الذي أعطانا فرصة للبحث في هذا المجال المم والحساس


المبحث الأول : تعريف الهجرة وأسبابها
المطلب الأول : تعريف الهجرة
إن التعريف الشرعي للمهاجر يختلف من بلد إلى آخر وذلك حسب المعايير المعتمدة عند كل دولة ، ومن هذه التعاريف تبين مفهوم الهجرة والمهاجرة
حسب المؤتمر الدولي المعقود في روما سنة 1924 فإن المهاجر هو كل أجنبي يصل إلى بلد آخر بحثا عن سبل وفرص العمل أو بقصد الإقامة الدائمة .
أما الهجرة حسب كومار فهي " ترك بلد أو الالتحاق بغيره سواء منذ الميلاد أو منذ مدة طويلة بقصد الإقامة الدائمة وغالبا ما تكون لتحسين الوضعية بالعمل "
وظهرت بمفهوم آخر هي السفر أو النزوح أو هجرة الرجال والنساء سواء كانوا يدرسون في داخل البلاد أو خارجها بمحض إرادتهم أو قصرا وذلك طلبا للعلم أو للاستيطان أو للدراسة هناك وعدو رجوعهم إلى أراضيهم وموطنهم الأصلي إلا بعد إتمام دراستهم .
فالهجرة إذا ترتبط بالبحث والمعرفة والتي ارتبطت بدورها بالعقل البشري أو بتلك الرحلات التي كان يقوم بها الدارسون وغيرهم .
المطلب الثاني : أسباب هجرة الجزائريين إلى بلاد المشرق العربي
لقد كان من الطبيعي أن يتوجه الجزائريون إلى المشرق فرادى وجماعات بعد النكبة التي تعرضوا لها ولاسيما بعد فشل المقاومة ، وذلك لمعرفتهم بهذه البلاد من قبل عن طريق الدين والسياسة والتجارة . ولعل أهم هذه الأسباب هي :
الأسباب السياسية :

الأسباب الاقتصادية :
إن رداءة الواقع الاقتصادي للجزائر خلال الاحتلال الفرنسي ، كان أهم دوافع هجرة الأهالي فرادى وجماعات إلى بلاد المشرق العربي فقد عرف هذا الاقتصاد تدهورا طيلة فترة الاحتلال . لعل أهم هذا الاقتصاد :

• قمع انتفاضات الجزائريين ضد الوجود الفرنسي .
• الحصول على الأراضي التي كان نقصها يعرقل تطور عملية التوسع الاستيطاني كما اعتبرت الإدارة الفرنسية حسب قانون أكتوبر 1844 أن الاحباس والأراضي غير المستغلة والتي لا تثبت ملكيتها قانونيا هي ملك للدولة . هذا ما جعل الأهالي يبيعون ما تبقى لديهم ، ثم الهجرة إلى الخارج .

الأسباب العسكرية :
من الأسباب والدوافع التي دعت إلى الهجرات هو قانون التجنيد الإجباري التي فرضته الإدارة الفرنسية على الشباب الجزائري سنة 1912 تحسبا للحرب العالمية الأولى التي كانت على الأبواب ، وجاء هذا المشروع خصيصا لاستفادة الطاقات البشرية المتبقية من سياسة الإبادة والتشريد ثم كان هدفه أيضا هو مزج المجندين الجزائريين بالفرق العسكرية الفرنسية فيكتسبون بذلك اللغة والعادات وهذا ما يحقق المشروع الاستعماري الهادف إلى جعل الجزائر مملكة عربية تابعة لفرنسا إضافة إلى تزويد فرنسا بقوة عسكرية تستعين بها في أوروبا بعد أن أظهرت فرق القناصة الجزائرية بسالة قتالية أثناء الحرب الروسية الفرنسية ، فكان ذلك تطبيق الخدمة العسكرية الإجبارية على الأهالي من مسلمي الجزائر هو الحل الوحيد لفرنسا الذي يخرجها من أزمتها العسكرية والمالية .
وكان رد فعل الأهالي على هذا المشروع هو رفضهم التام له فقد تعددت أساليب الاحتجاج من مطالبة لتعويضات حقيقية مقابل ضريبة الدم من الجزائريين وهاجر آخرين إلى البلاد الإسلامية كأسلوب من أساليب المقاومة والاحتجاج ، لأن في الأخير انخراط الشباب الجزائري في الجيش الفرنسي سيؤدي إلى ترك فرائضهم الدينية ان لم يؤدي بهم إلى محاربة إخوانهم في الدين ، وهذا ما يرفضونه بشدة .
الأسباب النفسية :
على غرار الأسباب السياسية والاقتصادية والعسكرية فإن الأسباب النفسية تؤدي إلى هجرات طوعية أو اضطرارية ، فالإهانة التي لحقت بالمسلم الذي كان يعتبر نفسه عزيزا وأصبح ذليلا أما الفرنسي "القاوري" واليهودي ، كما أن فشل المقاومة عاملا هاما في توجيه العديد من الأهالي إلى المشرق لطلب الحرية والعيش في أمان ، فقد كان الحجاج ينقلون أخبارا عن المعاملة الحسنة التي كان يلقاها المهاجرون هناك فالمهاجر الجزائري في دول المشرق العربي يشعر بالعزة والكرامة بدل الفقر والحرمان الذي يعيشه في ظل الاحتلال الفرنسي .
الأسباب الدينية والتعليمية :
إن الحديث عن الدوافع التعليمية لهجرة الجزائريين نحو الشرق يقودنا إلى طبيعة السياسة الفرنسية في مجال التعليم ، فقد كانت وضعية التعليم قبيل الاحتلال أحسن بكثير من وضعيته بعد الاحتلال ، إذ وصل عدد الأشخاص الذين يعرفون القراءة والكتابة 40% قبيل الاحتلال واقل من ذلك بعد الاحتلال . بالإضافة إلى هدم المدارس والمؤسسات الثقافية على اعتبار أنها تشكل خطرا كبيرا على أهدافها الثقافية والدينية والاستعمارية التي جاء من اجلها ، وكانت في هذه المرحلة تونس الشقيقة هي أول ما يقصده الجزائريون باعتبارها مركزا إشعاعيا للعلوم الدينية والعلمية المتمثلة في جامع الزيتونة الذي تخرج منه العديد من علماء الجزائر كالعلامة عبد الحميد بن باديس كما أن الواقع الديني للجزائريين كان جد سيئ لما تعرضت له العديد من المساجد والزوايا من هدم أو بيع أو تحويل إلى كنائس أو ثكنات عسكرية أو مخازن للذخيرة أو متاحف ، فتحول مثل جامع القصبة إلى كنيسة كانت تسمى "كنيسة الصليب المقدس" وهدمت مساجد عنابة التي كان عددها 37 مسجدا قبيل الاحتلال وبقي منها إلا مسجد صالح باي فقط بالإضافة إلى القمع والاضطهاد الذي مورس على المشرفين والمعلمين والقيمين على هذه المؤسسات إذ أحيل الكثير منهم إلى المحاكم الفرنسية .
كما أن الإدارة الفرنسية حاولت تنصير الأهالي بطرق متعددة إذ عمدت إلى الإرساليات التبشيرية لتغيير المعتقدات الروحية والمقومات الثقافية للجزائري المسلم إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل ويرجع الفضل في ذلك إلى المشايخ ومقدمو الطرق الصوفية الذين عبروا عن رفضهم الشديد ممن يغير دينه بدين آخر ، هذا ما جعل الجزائريين يهربون بدينهم إلى المشرق أين يحتفظون بمقوماتهم الحضارية .

المبحث الثاني : اتجاهات هجرة الجزائريين
المطلب الأول : هجرة الجزائريين إلى الحجاز وسوريا

كانت الحجاز البلد الأول الذي استقطبت الهجرة إليه باعتبارها المركز الروحي الذي يشدوا إليه المسلمون الرحال من مختلف أنحاء المعمورة لوجود المقدسات (مكنة والمنورة) وموسم الحج لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام إلى أن ما يحكم علي الهجرة أنها اشتدت نحو بلاد الحجاز منذ 1893 حيث سجلت سنة 1895 حوالي 100 عائلة من منطقة سيدي عقبة بالخصوص ببسكرة ، والتي كانت استجابة بالضبط الاستعماري المفروض عليها هروبا من سياسته الضارية بممارسة أبشع صور التعذيب والتنكيل ضد الجزائريين ناهيك عن مصادرة أراضيهم .
ولكد كانت الحجاز مركز وفود العديد من الأهالي السوفيين بحكم أنها كانت مركزا لتحصيل العلم باعتبار أن أكثر المهاجرين هم طلبة أو مثقفي المنطقة وهروبا من سياسة الإدارة الرسمية الظالمة وإذا اتبعنا حركة الهجرة إلي الحجاز قديما تعود إلي ما قبل الاختلال انطلاقا من البقاع المقدسة في إطار رحلة الحج الموسمية التي كانت أصحابها عامل اقتناء الكتب والمجلات بحكم أن الحج مركز أساسي في نشر الثقافة بين أرجاء العالم العربي والإسلامي وعليه كانت الحجاز أهم منطقة من بلاد الحجاز استقطاب أهالي منطقة وادي سوف هاجرو سيرا علي الأقدام بخطي متثاقلة إلي بيت المقدس مرورا بقفصة والإسكندرية والعيش سنة 1908 , وهكذا إن دل على شيء فإنما يدل على رغبة الجزائريين لنشر العلم والتعليم بشكل أو بأخر انطلاقا من قدرتهم الفائقة في التحصيل حيث نجد من هؤلاء الشيخ عمار بن الأزعر الذين نفته السلطات الفرنسية فاستقر بالمدينة المنورة ولم تكن هجرته فردية بل كانت مع عدد من الذين تتلمذوا على يده1


أما عن أسباب الهجرة نحوي سوريا خلال الفترة التي حددناها في بحثنا فلأول وهلة يتبادر للأّذهان أن هذه الحركات مختلفة أهمها هجرة 1888 - 1890 - 1892 - 1898 - 1899 وأخيرا 1911 تنحصر أسبابها في ثلاثة عوامل رئيسية وتكمن في العامل الديني , السياسي والاقتصادي , فهجرة 1911 مثلا قد حصرها الكتاب والمؤرخين الفرنسيين في مدينة تلمسان وأًصبحت تعرف بهجرة تلمسان بالنظر لما سبق فكل حركة من حركات الجزائريين أو مختف هجراتهم نحو سوريا ويجب أن ندرس على حدا بحكم ما خلفته من أثار ومن تراث في داخل البلاد وخارجها في ما يخص هجرة الأهالي من مناطق القبائل نحو سوريا خلال الفترة الممتدة مابين 1847 - 1871 , يمكن إضافة عامل محاولة التنصير للأهالي ويكاد هذا الجزء من هذا الوطن أن ينفرد بهذه الظاهرة الفقيرة التي انتهجتها الإرساليات التبشيرية وقد كان الأمير عبد القادر من الذين أسسوا جريدة خاصة بهم باسم (المهاجر) التي كانت تصدر بالعاصمة السورية دمشق مرة كل أسبوع منددة بالسياسة الاستعمارية التي سلكتها الإدارة الفرنسية في الجزائر مدافعة بذلك لحقوق المهاجرين المغاربة في المشرق العربي ولقد اشرف الأمير عبد القادر شخصيا على شؤونها المالية ومن المحتمل أن يكون هو الأمير عبد القادر الذي أسس هذه الجريدة بماله الخاص وقد تسببت هذه الهجرات الجماعية نحو سوريا في نزح أكثر من200 ألف عائلة من منطقة القبائل وقد ساهمت الجمعيات الدينية بشكل كبير وملحوظ في تشجيع الهجرة نحو الأراضي السورية وتستمر العلاقة الوثيقة بين الطرفين مما جعلها الكثيرين الذين شدوا الرحال إليها وبحكم الوضع الاقتصادي للبلاد المتدهور فما عسى ابن الفلاح أو الخماس أن بحث عن مصدر للعيش في بلد آخر لما آل إليه الجزائريين من بؤس وحرمان جعلهم يفضلون ترك أرض آبائهم وأجدادهم
ولقد كانت سوريا من البلدان التي استقطبت دفاعات من الهجرة الجماعية كهجرة الأسرة الكبيرة من مدينة مليانة سنة1899 فضلا عن هجرة نحو 1200 عائلة من تلمسان 1911 والتي اتجهت نحو سوريا وفي مقابل ذلك تفطنت فرنسا للأمر وامرة بوقف الهجرة وغلق الحدود الجزائرية إلا أن ذلك لم يمنع من تواصل الهجرات التي استمرت رغم انف الاستعمار , وقد قام المهاجرون الجزائريون بدور هام وتولي المناصب العالية وشاركوا في الجيش والإدارة والمدارس وكان عندهم المهندس والطبيب والضابط والكاتب والمؤلف والصحافي وتوج العمل الصحافي بدمشق بإصدار جريدة في دمشق سنة 1912 والتي كانت في محتواها تندد بالسياسة الاستعمارية التي انتهجتها فرنسا بالجزائر وتدافع عن حقوق المهاجرين في المشرق العربي الإسلامي وبقي المهاجرون على اتصال مستمر بوطنهم وساهموا في نشر فكرة الجامعة الإسلامية وعملوا على تعزيز معاني الروح والقيم الوطنية
وهكذا لم تحن الحرب العالمية الأولى حتى كانت حركة الهجرة الجزائرية نحو المشرق العربي وبلغت أوجها وبدأت تأتي كلها وذلك شكل أدوارا قيادية ، وقد زار العديد من العلماء الجزائريين سوريا ورجعوا بأفكار ضلت محفوظة إلى حينها ومن هؤلاء الشيخ "سعيد بن زكري" و "عبد الحليم " بن سماوية " ومحمد سعيد الزواوي فضلا عن الأمير خالد "وعبد الحميد بن باديس واحمد بن عليوة ، ولكل من هؤلاء دوره في تطور الحياة الفكرية والسياسية في الجزائر آنذاك
وتطول بنا القائمة لو حاولنا استقصاء العلماء الذين هاجروا وقضوا حياتهم في المهجر والأسباب كثيرة وعديدة وقد اشرنا إلى أهمها بحكم المغريات العلمية والسياسية التي يجدها المهاجر ، ضف إلى ذلك النكبات الطبيعية التي تركت أثارها على كل الناس وكذلك كانت تترك أثار خطيرة عند فئة العلماء لان عدد العلماء والمثقفين كان قليلا آنذاك

المطلب الثاني :هجرة الجزائريين إلى مصر
منذ الاحتلال استقطبت مصر عدد كبير من المهاجرين الجزائريين الذين كانوا يأتونها بإحدى الطرق الثلاثة ، إما منفيين أو مهاجرين أو حجاجا ، وفضلوا فيها الإقامة بعد أداء فروضهم كما استقطبت العديد من الطلبة متزايدة أعدادهم منذ الحرب العالمية الأولى هدف إلى ذلك بعض السياسيين المغضوب عليهم كما نزلها زوار معجبون بعلومها وصحافتها وآدابها وكانت الإسكندرية تستقطب أعداد من المهاجرين الوافدين إليها من الجزائر ومنهم من أقام وتزوج هناك ، أما في القاهرة فكانت تعج بالجزائريين الذين كانوا يقيمون بحي الأزهر والذي يعد مركزا إشعاعيا وفكريا فضلا عي قوى رواق المغاربة ، ومنذ القديم كانت مصر وجهة إعجاب من قبل الجزائريين ، ويعتبرونها كعبة العلم والحضارة لأنهم كانوا يعرفونها أكثر مما كانوا يعرفون العراق وسوريا بحكم وقوع مصر في طريق الحج ، ومن رجال السياسة الجزائريين الأوائل الذين هاجروا من بلادهم إلى مصر نعرف الباي "حسن بن موسى" باي وهران والذي حملته الإدارة الفرنسية في أوائل 1831 إلى الإسكندرية أما الداي حسين فقد هاجر إلى مصر وحل بالإسكندرية بعد فشل خططه بالرجوع إلى الجزائر ، وقد كان مع الداي حسين صهره قائد جيشه الآغا إبراهيم الذي عجز من مقاومة الفرنسيين في سطوالي أما العلماء فقد حلوا بمصر مهاجرين أو منفيين وكان رائدهم محمد العنابي الذي نفاه كلوزيل سنة 1830 بدعوى انه كان يتآمر لاستعادة كبيرة للحكم الإسلامي إلى الجزائر ، كما استقبلت الحرب العالمية الأولى وقد بلغ عدد الطلبة حسب الإحصائيات في سنة 1916- 29 طالبا وكانوا من مختلف ربوع الجزائر
وقد استمرت الهجرة إلى المشرق في فترات متعددة حيث نجد من بين هؤلاء الطالب "محمد العربي ستو" المولود بوادي سوف خلال سنة 1870 والذي شد الرحال إلى مصر سنة 1908 بعد حفظه للقران الكريم فاشتغل هناك مؤدبا للصبيان بالأزهر ، ثم ما لبث أن زاول دراسته بالأزهر سنة 1916 ، وقد احتل الرتبة الرابعة من المصنفين في قائمة الطلبة الجزائريين بالأزهر من نفس السنة ، تحت اسم محمد العربي السوفي ، وفي هذا الصدد أصبح المشرق مقصد للهجرة نتيجة لأهميته البالغة التي يحظى بها العلم والتعليم هناك
ضف إلى ذلك هجرة الأمير عبد القادر الذي كانت له علاقة بالحركات الإسلامية ونقصد بذلك تلك الهزة التي أحدثها جمال الدين الأفغاني في السبعينات والثمانينات تحت اسم الجامعة الإسلامية وكانت بلاد الشام اقرب فكريا إلى مصر منها إلى فارس وكان الأمير قد حضر شخصيا افتتاح قناة السويس (1869) ولقد التقى محمد عبدوا الذي كان يتنقل بين مصر والشام بالأمير عبد القادر مرات عديدة كما التقى بولديه محمد ومحي الدين
وقد كان الأمير عبد القادر شخصية سياسية رغم تخليه عن السياسة ، فقد زار مصر مرتين على الأقل ، الأولى أثناء الحج سنة 1864 ناهيك عن فتحه لقناة السويس 1896 وكانت هذه الزيارة محط أنظار الكبار ولقد كانت بين الأمير والشيخ محمد عبدوا مودة ومراسلات ، فقد تزامنت ثورة عرابي باشا للاحتلال الانجليزي بمصر مع مرض الأمير خالد وجدنا الأمير ومنذ هذه الفترة أصبحت مصر قبلة الجزائريين ، وبعد الأمير خالد وجدنا الأمير مختار الذي لعب دورا هاما وفعالا في جمع كلمة الجزائريين في المشرق ولاسيما في مصر وهو من أحفاد الأمير عبد القادر
وفي عهد بيجو هاجر الأمير عبد القادر نحو المشرق إلى المدينة المنورة فبعد حادثة الزمالة 1843 وسقوط المدن في أيدي العدو وضياع عاصمة الأمير بالذات هاجر الأمير عبد القادر رفقة مجموعة من الأعيان والعلماء ، كما أرغم على الهجرة "بومعزة"و"حسين ابن عزوز" رفقة عشرات من أتباعه وأقاربه توجهوا نحو الحجاز ، ولم تكن أسرة الأمير وحدها في هذا الميدان فقد ظهرت إلى جانبها أسماء لامعة من
المهاجرين ساهم أصحابها في عدة ميادين تهم القضية العربية نذكر منها الشيخ طاهر بن صالح بالجزائر الذي كان له الفضل الكبير في نشر الفكر والثقافة بالجزائر

المبحث الثالث : تأثير ودور المهاجرين الجزائريين في بلاد المشرق العربي
المطلب الأول : تأثير ودور هجرة الطيب بن سالم والأمير عبد القادر

أول هجرة جماعية وقعت مباشرة بعد توقف المقاومة كانت تلك التي تزعمه احمد الطيب بن سالم خليفة الأمير عبد القادر على القبائل والتي انتهت مقاومته في فبراير 1847 بحوالي عشرة أشهر قبل انتهاء مقاومه الأمير وكان احمد الطيب من أواخر خلفاء الأمير الأقوياء والأوفياء له .
يعزو احمد الطيب بن سالم سبب هجرته إلى الظروف الصعبة التي أحاطت بالمقاومة من كل النواحي سواء العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية وخصوصا عدم التمكن من إيجاد حليف خارجي يساعد في فك العزلة الداخلية التي فرضتها القوات الاستعمارية تدريجا على حركة المقاومة ويؤكد بهذه الخصوص على النزاع الذي احتدم بين الأمير وسلطان المغرب عبد الرحمان وعندما علمت السلطات الفرنسية باتجاه احمد الطيب بن سالم إلى الصلح أرسلت إليه تطلب شروطه ، فوضع الخليفة ثلاثة شروط :
• إطلاق سراح الأسرى الجزائريين الذين حاربوا فرنسا
• هجرته إلى بلاد الشام
• إعادة أملاكه له ليتصرف بها كما يشاء
وأمام هذا الوضع الجديد لجأ سكان منطقة الباو الأعلى إلى الشيخ المهدي مقدم الطريقة الرحمانية الخلوتية يطلبون النصيحة فأعلمهم انه ينوي الهجرة خارج الجزائر إلى البلاد العربية
وقد لبى نداء الشيخ المهدي السكلاوي عدد كبير من سكان المنطقة وركب هؤلاء المهاجرون السفينة التي أقلت الخليفة احمد الطيب بن سالم من الجزائر يوم 24 سبتمبر 1847 رفقة عائلته والعديد من الشخصيات مثل الشيخ المبارك وسي الحاج عبد الله وبلغ عدد المهاجرين في هذه الرحلة قرابة 560 شخصا بين رجال ونساء وأطفال نزل هؤلاء بميناء بيروت ومنها انتقلوا إلى دمشق وقررت السلطات العثمانية منحهم أراضي وخصصت لهم الحكومة مرتبات شهرية .
واختلفت وضعية هذا الفوج من المهاجرين عن فوج الأمير عبد القادر فكانت حالة الأمير المادية ميسورة بفضل المرتب الذي خصصته له الحكومة الفرنسية على عكس حالة احمد الطيب بن سالم وأتباعه كانت في غاية من الفقر والبؤس .
وقد اهتمت السلطات المحلية في دمشق بوضعية هؤلاء المهاجرين وتلبية طلباتهم ، أما عن توطينهم فقرر المجلس إسكانهم في الداخل لتكون متوافقة مع الهواء الذي كان في بلادهم
أما عن رد فعل السلطات الفرنسية فتمثل في تقرير مجلس حكام عدلية وتدخلت لدى السلطات المحلية أمام هجرة هذه المئات من الجزائريين إلى بلاد الشام ، وقدمت لها كتاب مفاده ... إن المشار إليهم الجزائريين ليسوا سديدي القول بما ذكروه ولا يعتمد على أقوالهم بناءا على علاقاتهم بالفرنسية ، ورغم ذلك ظلت التقارير الفرنسية على التشكيك في نوايا هؤلاء المهاجرين مثال ذلك ما أورده Bardin في كتابه أن القنصل الفرنسي في دمشق Segurs تمكن من استمالة احمد الطيب بن سالم ، لكن المهاجرين قد وعدوا السلطات العثمانية بعد الاتصال بالأجانب وخاصة الفرنسيين وعبروا عن ذلك بقولهم " وأًصبحنّا الآن مستقلين ومحميين وتم توظيف جماعة احمد الطيب بن سالم في لواء عجلون مع تقديم المعونة المالية اللازمة لهم وخصصت لأحمد بن سالم مرتبا شهريا قدره 500 قرشا" .
أما المهاجرين الحرفيين أقاموا حي واحد يدعى باب السويقة ، ونقلوا عاداتهم وتقاليدهم وانشئوا جامعا وزاوية سميت "زاوية المغاربة " .

كثيرا ما يرتبط ذكر بلاد الشام أو دمشق في ذهن الجزائريين بهجرة الأمير عبد القادر هذه الهجرة التي دفعة بالكثير من الجزائريين الذين قرروا الهجرة بعد عام 1855 اختيار بلاد الشام موطنا لهم ولهجرتهم .
والأمير لم يقع اختياره في بداية الأمير على دمشق بل كان قد طلب نقله وأتباعه إلي عكا أو إلي الإسكندرية إلي أن السلطات لم تطمئن لإطلاق سراحه وقد حاولت الكثير من الشخصيات الفرنسية ثني الأمير عن قراره للانتقال إلى المشرق لكنه رفض وفضل إن يموت مع هذا العهد فكان يقول أموت لأجل خزيكم وسيعلم الملوك والشعوب من خلال تجربتي ما مدى الثقة التي يجب أن يمنحوها لعهد قطعه لهم الفرنسيون وصل الأمير إلى بروسه يوم 17 جانفي 1853 واستقر في بيت منحته إياه السلطات العثمانية عينت له مرتبا وبعد استقراره بدأت تتوافد عليه جموع المهاجرين من العلماء وغيرهم ممن هاجروا في صدقات للفقراء وكانت السفارة الفرنسية اسطنبول قد كلفت بمراقبة تحركات الأمير ,انتدب السابق إلي بلاد الشام كما خصصت له الحكومة الفرنسية مرتبا سنويا قدره 100 ألف فرنك فرنسي ينفق منه على عائلته ويوزع جزءا منه علي أتباعه وقواده وجزءا آخر في شكل Bullod (المترجم العسكري ( خصيصا لهذه المهمة وكان يصدر تقارير شبه يومية حيث كان يقرءا مراسلات ويترجما للسفارة ,ورغم الأجواء الطبيعية التي كانت تحيط بالأمير إلى انه لم يكن مرتاحا لوجوده وسط الأتراك واليونانيين خصوصا مع جهله لغتهم وجاءت الفرصة مع الزلزال التي تعرضت له بروسه سنة 1855 وساعتها أعطت السلطة في فرنسا موافقتها للانتقال إلى دمشق وقد صاحبت فكرة انتقال الأمير للإقامة في بلاد الشام فكرة إقامة كيان عربي في سورية تحت رعاية الإمبراطورية الفرنسية .
وعن حوادث الفتنة الطائفية في الشام عن حقيقة موقف الأمير فقد كثرت حولها الآراء وتشعبت منها من يقول أنها مجرد خدمه إنسانية لم يكن الأمير يفكر في أبعادها أو الاستفادة منها وأخرى تقول أن هذا التدخل كان بمباركة وتخطيط من فرنسا فهي التي سلمت الأسلحة للفرنسيين
وهناك أمر آخر عرض له أمرين في دراسة السالفة وهي النية الفرنسية في اتجاه إقامة كيان عربي مستفعل في بلاد الشام يكون على رأسه الأمير عبد القادر وصاحبت هذه النوايا حملة دعاية صحفية كان من بينها صحيفة تصدر في باريس اسمها برغيس باريس صاحبها سوري يدعي رشيد دحداح يرسل منها الكميات الكبيرة في سورية ولم تترك فرصة دون التشهير بالحكم القائم في البلاد العثمانية ومطالبة السلطات بتغيير سياسته والأخذ بالنصائح الطيبة لفرنسا .
ولما كانت محاولة تهيئة الرأي العام الفرنسي لمشروع تعيين الأمير على رأس دولة عربية في بلاد الشام حيث صدر في باريس سنة 1860 ولعل في هذه التسمية تصديا واضحا للسلطات العثمانية حيث يعارض بأنها غبر صحيحة وأكد على ضرورة إيجاد (توازن شرقي ) يتلاءم مع التوازن الأوروبي .... إذ يمكننا أن نجعل من العرب في بلاد الشام إمبراطورية عربية .
- موقف الأمير من المشروع الفرنسي : لم يتوفر لدينا أي رد مباشر للأمير على هذه المقترحات أولها تلك الرسالة التي بعثها الجنرال قائد الحملة إلى الشام في 1860 إلى وزير الحربية الفرنسية التي يقول فيها يأسف لعدم رؤية الأمير وقيل له انه لا يرغب في أي سلطة . وقد يكزن رفض الأمير للمشروع مرده إلى أن فرنسا هي التي وضعته .
- والمشروع الثاني فصل سوريا عن الدولة العثمانية وإقامة دولة عربية يكون الأمير عبد القادر أميرا عليها وقد وافق الأمير على ذلك من حيث المبدأ . وحين عرض عليه المشروع كان رأي الأمير أن يضل الارتباط الروحي قائما بين البلاد الشامية والخلافة العثمانية وأن يبقى الخليفة العثماني خليفة للمسلمين وأن يتم للأمير البيعة من أهل البلاد جميعا .
عندما فرغت السلطات العثمانية من حربها مع روسيا حولت اهتمامها للأمور الداخلية وعندما علمت بمشروع الاستقلال العربي اتخذت الإجراءات الفورية تجاهه وفرت الإقامة الجبرية على زعماء الحركة الأمير واحمد الصلح وضل موقف السلطات حذرا اتجاه الأمير وبرقية بحث كما في 30 ماي 1883 قنصل بريطانيا في دمشق إلى القائم بالأعمال في اسطنبول يقول فيها ... توفي الأمير وحضر ممثلو الدولة الأجنبية مراسيم الدفن والألبسة الرسمية وفي سنة 1863 قرر الأمير التوجه إلى الأراضي المقدسة بنية الاعتكاف وأداء فريضة الحج وأقام بعض الأسابيع في مصر بدعوة من شركة مصر قناة السويس التي كان على رأسها الفرنسي فرديناند دولسبس ، وقام الأمير بزيارة إلى اسطنبول عام 1865 قاصدا زيارة السلطان عبد العزيز وتقدم للسلطان بطلب تسريح أعيان دمشق الذين كانت الدولة قد حكمت عليهم بالنفي إلى قبرص اثر حوادث 1860
وكان من نتائج هذه الحملة الدعائية أكثرت طلبات الهجرة على مكاتب السلطات الفرنسية وسمحت هذه السلطات في شهر ماي عام 1860 بهجرة أولاد سيدي خالد وبني عامر وهم فرع من واد بردي ، هاجر هؤلاء إلى بلاد الشام مخلفين وراءهم 2000 هـ من الأراضي الزراعية ووصل عدد الراغبين في الهجرة من هذه المنطقة إلى 577 شخصا أي بنسبة 72% من سكان المنطقة وكان هناك مجموعة من الجزائريين على الحدود التونسية وكان على رأسهم شخصيتان معروفتان أحدهما من الأغواط وهو ناصر بن شهرة والآخر من منطقة السباو وهو عمر أوحامبشوش وتراجعت السلطات الفرنسية عن منح جوازات السفر للهجرة إلى بلاد الشام ، اثر خروج فرع أولاد خالد وبني عامر بعدما تبين لها أن ذلك يؤكد على انعدام الثقة وبينها الأهالي ، إضافة الى ما ستخلفه هذه الهجرة من أصداء سيئة تمس بسمعة الفرنسيين في المشرق العربي والبلاد الإسلامية عامة .
وكانت تتساهل في أمر الهجرة بقصد توفير الأراضي والأماكن للمستوطنين الذين ازدادت أعدادهم بعد الفراغ من مقاومة الأمير عبد القادر ، وشهد عام 1864 موجة هجرة جديدة حدثت من بلاد القبائل وكان سببها مشاجرة وقعت بين "بني شعيب وبني غبري حول قطعة أرض فتدخلت السلطات الفرنسية وعاقبت سي الحاج العيد حيث دعا أهله وأتباعه إلى الهجرة إلى دمشق وتبعته 200 عائلة وصاحبت هذه الهجرة مراسلة نشطة بين المهاجرين وذويهم في الجزائر .
وإذا كانت الهجرة الجزائرية نحو سوريا قد اتخذت صبغة خاصة قبل استقرار الأمير عبد القادر في دمشق فمنذ سنة 1856 اتخذت طابعا يكاد ينحصر في تشخيص الأمير الذي جلب استقراره في هذه المدينة أنضاره وعيون الجزائريين إليها بالأخص المقربين إليه والذين شاركوا معه في مسيرته النضالية ضد الاستعمار الفرنسي عن قرب أو بعد ، فعندما غادر الأمير مدينة روما متجها إلى سوريا كان متبوعا بحوالي 110 أشخاص من بينهم 27 شخص من أفراد عائلته في الوقت الذي كانت مجموعة أخرى تتكون من حوالي 100 شخص قد شدت الرحال إلى دمشق .
ومن الطبيعي أن العاصمة السورية دمشق قد استوعبت أكثر عدد من هؤلاء المهاجرين الجزائريين من بينهم كثير من الأثرياء ورجال الأعمال والتجار الكبار والملاك فلم يكن الأمير في حاجة إلى بث الدعاية وتوجيه النداءان للجزائريين ليلتحقوا به في سوريا مثل ما فعل احمد بن سالم وغيره فبمجرد وجوده في دمشق جلب أنظار الجزائريين إليه بشكل لم يلقى له مثيل فلو حرض الجزائريين على الهجرة إلى سور يا لاستجابت الجزائر له من أقصاها إلى أدناها ولكن ذلك لم يحدث فعلى الرغم من ذلك نلاحظ ارتكاز هجرة الجزائريين على مدينة دمشق وضواحيها حيث يوجد الأمير فبعد 5 سنوات من استقراره في دمشق حتى حدود 1870 تدخل عن ما يزيد عن 1000 رجل من الجزائريين في الأحداث المؤسفة التي نشبت بها وفي ذلك دلالة قاطعة على وجود أعداد هائلة من الجزائريين في دمشق خلال السنة الأخيرة وقد شكلت تونس الجسر الرابط بين الجزائر وسوريا بحكم أن الجزائريين اتخذوا من تونس معبرا إلى سوريا وقد دفع استقرار الأمير في الشام بكثير من العائلات الجزائرية إلى اتخاذ قرار الهجرة ولوحظ سنة 1860 انتشار بعض الدعاة والمحرضين للهجرة في بلاد القبائل والوسط

المطلب الثاني : تأثير عموم المهاجرين والطلبة الجزائريين في بلاد المشرق العربي
تأثير المهاجرين الجزائريين في بلاد المشرق العربي :
لقد ساهم المهاجرون الجزائريون بشكل بارز في عدة ميادين تخدم القضية العربية ، ومن أبرزهم الشيخ طاهر بن صالح الجزائري المعروف بالطاهر السمعوني فقد كان له الفضل العظيم في بعث الثقافة العربية وتكوين جيل من الأدباء والمفكرين والسياسيين ضف إلى ذلك دوره في حزب اللامركزية وإنشائه وإشرافه على إدارة عدة مؤسسات مثل المكتبة الظاهرية ويعتبر سليم السمعوني من أنبل وأهم قادة الحركة العربية التي كانت تعارض الحكم العثماني فكان جزاءه الشنق على يد جمال باشا المشهور بالسفاح ضمن قائمة طويلة من شهداء القومية العربية أما عائلة المبارك التي هاجرت من دلس فقد اقتصر نشاطها على علوم الدين واللغة فكان منهم أربعة على الأقل من توابع الأدباء واللغويين في ذلك العصر والذين اشتهروا ببحوثهم ومؤلفاتهم وعضويتهم في المجامع اللغوية . وقد ظل دور الأمير البشير الإبراهيمي في سوريا غير واضح ، رغم قصر المدة التي قضاها هناك قبل رجوعه إلى الجزائر وبهذا الصدد تطلعنا بشغف حول علاقة الأمير عبد القادر بالحركة الإسلامية والمقصود بهذا تلك الهزة التي أحدثها جمال الدين الأفغاني في السبعينات والثمانينات تحت اسم الجامعة العربية الإسلامية ، أما بخصوص الحركة العربية فقد أشار الأستاذ خالدي إلى الحركة التي تدعوا إلى إقامة كيان عربي في بلاد الشام تحت زعامة الأمير عبد القادر وكان التجاذب حول شخصية الأمير قويا جدا على المستوى الدولي آنذاك فكل دولة كانت تريد أن تظفر منه بلغـته لتتخذ منه وسيلة لترسيخ نفوذها بالمنطقة ، كما برز الدور القومي للمهاجرين في الأفكار والتوجهات والكتابات والتنظيم من خلال رحلات الجزائريين عبر الزمن والأرض والإيديولوجية والعقائد .
تأثير الطلبة الجزائريين في سوريا :
إذا كانت أنضار الجزائريين وخاصة المثقفين منهم ورجال العلم والتجار الكبار في القرنين 17و 18 قد اتجهت نحو مصر ، ففي القرن 19 لأسباب دينية واجتماعية وثقافية وغيروا اتجاهاتهم نحو بلاد الشام واستقروا حينها بأعداد وافرة يقدرها بعض الباحثين في الموضوع بـ 20000 مهاجر جزائري في سوريا وحدها حتى حدود 1914 ، ومن أبرز أنشطتهم ما يلي :
أ- النشاط النقابي : بالرغم من قلة الطلبة الجزائريين في سوريا فقد شعر بعضهم في الشهور الأولى قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى بغياب هيئة طلابية تجمع شملهم وتوحدت أفكارهم ، وقد عملت هذه المنظمات الطلابية العربية التي أوجدها الطلاب في سوريا منذ ثلاث سنوات دون انقطاع .
ب- النشاط السياسي : عرف النشاط السياسي في سوريا انتعاشا كبيرا من خلال "لجنة الطلبة الجزائريين" ووقع الاتصال بين الطرفين السوري والجزائري في ظروف عادية واتفق الطرفان على مساندة الثورة والتعريف بأهدافها النضالية على جميع المستويات ومن العوامل التي ساعدت على تكاثف النشاط السياسي للطلاب هو أن عددهم تضاعف بشكل كبير وذلك بقدوم عدد من البعثات الطلابية من الجزائر كما كان للمكتب المغربي العربي في دمشق آنذاك دور في النشاط السياسي الذي لعبه الطلبة في سوريا وما يلاحظ على هذا النشاط أنه ارتبط ارتباطا وثيقا بالقضية الوطنية والتعريف بآفاتها وتطور أحداثها على الصعيدين الداخلي والخارجي ولقد نظم الطلبة هناك أمسيات شعرية ونضالية ومجموعة محاضرات وغيرها من الأنشطة ، ولقد نسق الطلاب الجزائريون مع أبناء جلدتهم الفلسطينيون والأردنيون والعراقيون ونظموا أمسيات ثقافية وأدبية بالاشتراك مع هؤلاء .

أما من الناحية الاجتماعية : فعلى الرغم من الإمكانيات المادية المتواضعة التي كانت لدى المكتب الإداري لرابطة الطلاب الجزائريين استطاع هذا المكتب أن يقضي على الكثير من المشاكل التي كان يعاني منها الطلاب في سوريا قصد القضاء على مشكلة السكن التي كانت تواجههم بهذا البلد ، ورغبتهم في جمع ولم شمل الطلبة المهاجرين تحت سقف واحد وأجرت لهم بيتا في سوريا باسم "ار الجزائر" التي ضمت تقريبا كل الطلبة الجزائريين في سوريا .
تأثير الطلبة الجزائريين في مصر :
لقد تحدثنا سابقا عن الهجرة التي كانت لأسباب لا مناص منها بحثا عن مدن أخرى طلبا للعلم أو الحظوة أو الوظيفة وتحسين مستوى الطلبة الثقافي .
وقد ساهمت اندلاع الحرب العالمية الأولى من جهتها في صعوبة ورداءة هذه الظروف التي كان يعيشها الطلاب في مصر ، إذ ليس الطالب مهما كان بعيدا ينشأ منفصلا عن حياة شعبه لا يتأثر ولا يتفاعل بالأحداث التي تجري فوق أرض الوطن والطالب الجزائري أينما كان هو جزء من ذلك الشعب الثائر على الاستعمار الفرنسي وسياسته التعسفية ويعايش الحياة التي يحياها بنو وطنه ويقوم بنفس العمل الذي يقوم به مع اختلاف الوسائل والميادين ومن أبرز نشاطات الطلبة الجزائريين ما يلي :


المحاضرات والندوات : تشكل النشاط النقابي والسياسي بالنسبة للطلاب الجزائريين في مصر المحور الأساسي الذي دارت حوله اهتمامات الطلاب وليس بإمكاننا التطرق إلى هذا الموضوع بكل التفاصيل التي يستحقونها ، فقد كانت المحاضرات والندوات المنظمة من طرف اللجنة النقابية في القاهرة تستضيف من حين إلى آخر أساتذة بارزين في ميدان العلم والثقافة من مصر وغيرها من الأقطار العربية الأخرى ، وقد برز إقدام هؤلاء الأساتذة على نادي الطلاب حدا للتنافس بينهم ، كما كانت الجزائر وثورتها تتمتعان به من شهرة وسمعة طيبة بين كل الأوساط العربية .

خـــاتــمـــــــة
ونخلص في الأخير من هذه الدراسة بان الهجرة الجزائرية نحو المشرق العربي كانت نتيجة لضغط الإدارة الاستعمارية وسياسة التعسف والظلم التي اتبعتها ، تمثلت في مصادرة الأراضي وقتل الآلاف من الجزائريين ، وممارسة أبشع صور التعذيب والإهانة ويمكن الوقوف على ابرز النتائج التي توصلنا إليها من خلال هذا البحث تمثلت فيما يلي :





تلكم هي النتائج المتوصل إليها في هذا البحث ولا تزعموا أننا تمكنا من الإجابة على كل التساؤلات فهذا الميدان لا يزال مفتوحا على مصرعيه أمام الباحثين ونتمنى أنكم قد استفدتم من هذه الدراسة ونسال الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم

1- تعتبر هجرة الجزائريين نحو المشرق هي السبيل الوحيد للتخلص من سياسة التعسف الفرنسية .
2- اضطهاد الإدارة الفرنسية للجزائريين من خلال القوانين .
3- تعدد الأسباب المادية والمعنوية والروحية التي ترفض سياسة الإدارة الفرنسية .
4- الأوضاع السيئة التي عاشها الشعب الجزائري إبان فترة الاحتلال من خلال سلب أراضيه وتسليمها للمعمرين الأوربيين .
5- الدور الذي لعبه المهاجرين الجزائريين وخاصة الأمير عبد القادر والطلبة الجزائريين


تلكم هي النتائج المتوصل إليها في هذا البحث ولا تزعموا أننا تمكنا من الإجابة على كل التساؤلات فهذا الميدان لا يزال مفتوحا على مصرعيه أمام الباحثين ونتمنى أنكم قد استفدتم من هذه الدراسة ونسال الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم

للباحث بشير سوفى


قائمة المصادر والمراجع:








1- أبو القاسم سعد الله ، أبحاث وآراء في التاريخ الجزائري ج 4 – ط 2 دار الغرب الإسلامي بيروت 2005 . 2- أبو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائر الثقافي من القرن 16- 20 م ج 1 الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، الجزائر 1981 . 3- أبو القاسم سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية سنة (1830- 1900) . 4- نادية طرشون ، الهجرة الجزائرية نحو المشرق العربي ، طبعة خاصة من وزارة المجاهدين ، منشورات المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة 1 نوفمبر 1954 مطبعة دار هومه الجزائر . 5- عبد الحميد زوزو ، الهجرة ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية بين الحربين ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر ، 1985 . 6- عمار هلال ، أبحاث ودراسات في تاريخ الجزائر المعاصر 1830- 1962 ، ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون الجزائر 1995 . 7- عمار هلال ، نشاط الطلبة الجزائريين إبان حرب التحرير ، دار هومه للطباعة والنشر ، الجزائر ، طبعة 2004 . 8- صالح فركوس ، المختصر في تاريخ الجزائر ، دار العلوم للنشر والتوزيع .

0 التعليقات:

إرسال تعليق